الخميس، 10 مايو 2012



بقلم الدكتور ميلاد الحراثي
استاذ نظم الحكم والسياسة في افريقيا
جامعة بنغازى
قسم العلوم السياسية
تقرير تحليلى:
دولة مالى بين الديمقراطية وخيارات الانفصال والتدويل
أو الطريق الى اعلان دولة الطوارق
مفردات مفتاحية: أفريقيا الغربية الفرنسيةAOF- الماندينج-   البامبارا-  الفلانيون-  العرب – الدوغون- البوزوس - الطوارق - السوننكي- ((MNLA - المجلس الإسلامي ألأعلى- مملكة «مالي ألإسلامية - الفلانيين - السنغاي - التحالف الديمقراطي - حركة تحرير أزواد- بوكو حرام والشباب- -جماعة  انصار الدين -  الاكواس، منظمة " البكاء من ألقلب"- الطوارق والتبو – حزام الصحراء ألإسلامي.
تاريخية الاوضاع السياسية في مالى:
قبل الحديث عن التطورات الأخيرة شمالي مآلي وما يجري في الوضع الداخلي من عوامل تهديد انطلاقاً من الحدود الشمالية للصحراء الأفريقية إلى نيجيريا عبر ألنيجر حيث الوضع الأمني يتسم بقدر كبير من ألهشاشة نقدم عرضاً تعريفياً مختصراً عن مالي.
. اختارت هذه ألجمهورية التي استلقت بعد احتلال فرنسي استمر زهاء قرن (1878 - 1960م)، اسم مآلي الذي حملته إحدى أكبر الإمبراطوريات الإسلامية التي قامت في منطقة غرب إفريقيا وتركت فيها آثاراً حضارية. نالت  استقلالها يوم 22 سبتمبر 1960م، لكنها لم تحمل هذا الاسم إلا إثر انفراط عقد «فيدرالية مآلي التي كانت تضمها مع ألسنغال وكانت تُعرف في الفترة التي عاشت فيها تحت الاحتلال الأجنبي باسم «السودان ألفرنسي في إطار ما كان يعرف بـ«أفريقيا الغربية الفرنسية»(AOF)، التي ضمت كل الدول التي كانت تحت الاحتلال الفرنسي في غرب أفريقيا.
جغرافيا تقع مالي ضمن دول السهل الإفريقي ما يجعلها دولة داخلية محصورة ومغلقة لا تمتلك أي منفذ بحري، ويحدها كل من موريتانيا والجزائر في ألشمال والنيجر شرقا وفي جنوبها ساحل العاج وبوركينا فآسو وفي الجنوب الغربي غينيا كوناكري، بينما تحدها السنغال من الغرب.
 تقارب مساحة مالي نحو 1.25 مليون كم2، ويصل تعداد السكان - حسب إحصاءات عام 2009م، (15) مليون نسمة وتتكون الخارطة الاجتماعية من تشكيل فسيفسائي من ألأقوام أهم «الماندينج»، و«البامبارا»، و«الفلانيون»، و«العرب»، و«الدوغون»، و«البوزوس»، والطوارق و«السوننكي». يمثل المسلمون 80% من إجمالي ألسكان والمسيحيون 15%، بينما لا تتجاوز نسبة الوثنيين 5%، ويمكن تفسير قوة الوجود الإسلامي في جمهورية مالي بالإرث التاريخي الغني الذي تمتلكه؛ حيث إن المنطقة التي تتشكل منها اليوم كانت قاعدة لعدد من الإمبراطوريات والممالك ألإسلامية مثل غانا التي سيطرت على المشهد منذ القرن السادس إلى القرن ألعاشر ثم خلفتها مملكة «مالي ألإسلامية التي ظهرت إلى الوجود منتصف القرن الثالث عشر وعمرت حوالي قرن، إلى أن تهاوت وقامت على أنقاضها مملكة «السنغاي الإسلامية»، والتي قضي عليها «جؤذر باشا» على رأس الجيش المغربي عام 1591م .
سياسيا؛ تعتبر مالي اليوم ضمن الدول الأفريقية جنوب ألصحراء التي تعيش تجربة ديمقراطية ناجحة منذ انتخاب الرئيس «ألفا عمر كناري» عام 1992م، بعد خروج البلاد من الحقبة الدكتاتورية التي عاشتها في ظل حكم الجنرال «موسى تراوري» الذي قاد أول انقلاب عسكري في 19 نوفمبر 1968م، ضد الرئيس «مودِبو كيتا»، أول رئيس مدني لجمهورية مالي بعد الاستقلال، وقد حكم «تراوري» البلاد بقبضة من حديد من ذلك التاريخ إلى أن سقط حكمه في 26 مارس 1991م على يد الجنرال «آمَدُ تُماني توري» بانقلاب عسكري، ثم تخلى عن الحكم طواعية حين نظم أول انتخابات ديمقراطية في مالي قبل أن يعود إلى الحكم عبر بوابة الديمقراطية.
 خلال حكم الرئيس «ألفا عمر كُناري»، الذي انتخب بصورة ديمقراطية بعد تنازل الجنرال «توري»، عاشت البلاد قدراً كبيراً من الاستقرار ألسياسي وعرفت حياة ديمقراطية نشطة تمكنت خلالها من استعادة دورها التاريخي على مستوى منطقة غرب إفريقيا وهو ما أعطى الرئيس «كناري» فرصة حين خرج من الحكم أن يُختار رئيساً للجنة الاتحاد الأفريقي التي هي الجهاز التنفيذي للاتحاد الأفريقي.  
ولكن ميلاد حركات التمرد لم يعكر صفو هذه الفترة من الحكم الديمقراطي المستقر سوى وجود حركات التمرد التي ولدت في الشمال الشرقي على الحدود المالية الجزائرية ألنيجرية على يد مجموعات من «ألطوارق الذين رأوا، بعد أن شاركوا في معركة التحرير الوطني من الناحية ألسياسية أن وجودهم داخل الدولة المالية التي قامت بعد الاستقلال بمثابة خضوع لاستعمار من نوع جديد، وسرعان ما تطور هذا الموقف السياسي إلى حركة تمرد لجأت إلى حمل السلاح في وجه الدولة؛ مطالبة بالاستقلال عن مالي بإنشاء دولة مستقلة في المناطق الشمالية ألشرقية أما جذور هذا التمرد فيعود بها البعض إلى الأحداث العاصفة التي شهدتها البلاد سنة 1963م..
جذور احداث المنطقة الشمالية لمالي:
 ابتداء من هذا التاريخ عاشت مالي الحديثة على إيقاع أعمال العنف التي كانت تجري في مناطقها الشمالية الشرقية، وإن كان هذا الصراع قد سار في خط منعرج مع المجموعات المسلحة التي كانت تدعي النضال باسم جميع ألطوارق الذين يعيشون داخل الحدود الموروثة عن الاحتلال ألفرنسي والتي كرستها مواثيق منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي لاحقاً).
 ثم هناك  اتفاق بعد صراع مرير وسقوط عدد من الضحايا واضطرار آلاف من السكان إلى النزوح إلى مناطق أخرى أو اللجوء إلى البلدان ألمجاورة دخلت الحكومة المالية و«التحالف الديمقراطي لـ23 مايو» في مفاوضات مضنية، وتوصل الطرفان في نهايته وبوساطة جزائريه إلى عقد اتفاق يتم بموجبه إنهاء التمرد في مدينة الجزائر بتاريخ 4 يوليو سنة 2006م، وقيام الحكومة بالوفاء ببعض مطالب الحركة باستثناء الاستقلال طبعاً، وكان من أبرز بنود ذلك الاتفاق قيام الدولة بتنفيذ عدة برامج تنموية في المناطق التي يقطنها «الطوارق» باعتبار أنها ظلت منسية في خطط التنمية التي كانت الدولة تنفذها منذ الاستقلال، كما نصت على تشكيل قوى مشتركة تتكون من الجيش الرسمي ومن عناصر تابعة لحركات التمرد للحفاظ على الأمن في المناطق التي كانت قد شهدت أعمال العنف.
هكذا وضعت الحرب بين الجانبين أوزارها لكن إلى حين، لأن بعض الفصائل المتمردة، التي كانت تعتبر الاتفاق مجحفاً ودون سقف مطالبها، لم تتجاوب مع هذا ألتوجه ولذلك تجددت أعمال العنف بشكل مفاجئ بالهجمات الصاعقة التي شنتها «الحركة الوطنية لتحرير أزواد» (MNLA) على عدد من المدن المالية يوم الثلاثاء 17 يناير 2012م، وهي «مناكا» الواقعة قرب الحدود مع ألنيجر و«تساليت» على الحدود مع الجزائر وبعد ذلك جاء الدور على مدينة «أجيلهوك»؛ وهي مدن تقع في محافظتي «كيدالْ» و«غاوْ». طالبت «الحركة»، في بيان صدر يوم الأربعاء 18 يناير 2012م، إثر هجماتها على تلك المدن، بتحرير المنطقة مما سمته بالهيمنة المالية، وبذلك قدمت نفسها على أنها حركة انفصالية تسعى إلى إقامة دولة خاصة بـ«الطوارق» في مناطق تمركزها، على خلاف أغلب الحركات التي سبق أن خاضت حرباً شرسة ضد الحكومة المالية خلال أكثر من عقدين من الزمن.
وعرض البيان الذي صدر عن وزارة الدفاع المالية آنذاك إثر المعارك التي دارت بين الجانبين ما سماه "بالخسائر ألفادحة فقد تكبد المهاجمون 35 قتيلاً وعدداً من الجرحى وتدمير آليات في «أجيلهوك، بينما بلغت تلك الخسائر في «تيساليت» 10 من القتلى وتدمير سيارات المهاجمين، بينما لم تتجاوز خسائر الجيش الحكومي قتيلاً واحداً و من الجرحى في «أجيلهوكْ»، ومقتل جندي آخر و3 جرحى في «تيساليت».
العامل الخارجي في العمليات المسلحة:
أما الجهة التي تقف وراء هذا الانبعاث لأعمال ألعنف تعزو بعض المصادر في الجيش ألمالي إن هذه الهجمات قد وقعت بقيادة ضابط فار من الجيش ألمالي وهو القائد «إمبام آغ موسى» (Mbam Ag Moussa)، الذي سبق له أن قام بقيادة هجمات مشابهة سنة 2006م، وكانت هذه القوات تتمركز في مدينة «زاكا» قرب الحدود الجزائرية. إلى جانب عنصر المباغتة، فقد تحدثت التقارير الواردة من مسرح الأحداث عن الدقة والشراسة اللتين صبغتا ألعمليات وهو ما دفع العشرات وربما المئات من الجنود الحكوميين إلى الفرار بملابس مدنية واللجوء للبلدان المجاورة لمآلي وقد وصلت أصداء الهجمات إلى ألعاصمة وكان من نتائج ذلك أن تعرضت ممتلكات ألطوارق وغيرهم للتخريب مما دفع القوى الإسلامية المتمثلة في «المجلس الإسلامي ألأعلى وغيره إلى إطلاق نداءات التهدئة.
 ولقد اختارت الحركة هذا التوقيت لتفجير الأوضاع ودفع الوضع إلى حافة الهاوية على خلفية الانتخابات الرئاسية ألقادمة ولإحراج أو إضعاف موقف السيد«آمد تمانِ تورى»، الرئيس ألمخلوع الذي يميل بعض المراقبين إلى ألقول انه رغم عدم إمكانية ترشحه لأن الدستور لا يسمح إلا بفترتينا سيحاول التأثير على اختيار الرئيس القادم. يستند هذا الطرح إلى أن الانتخابات التي ستُجرى في مآلي ما بين 29 أبريل و مايو ألقادم تكتسي أهمية كبرى على ضوء شدة التنافس الذي ستشهده لخلافة الرئيس «توري» الذي قد يخلف تركه السلطة فراغاً من نوع ما، إلى جانب رياح التغيير العاصفة التي أخذت تهب على المنطقة من الجانب الآخر من الصحراء منذ انطلاقة «الربيع ألعربي وما يمكن أن يؤدي إليه ذلك من تحولات سياسية قد تكون غائرة وبعيدة المدى.
, هناك من يعزو دوافع هذا التجدد إلى سوء إدارة الحكومة المالية لملف التمرد في شمال وشرق البلاد، وخاصة فيما يتعلق بالمشاريع التنموية التي كانت قد طرحت في حينه؛ باعتبارها جزءاً من الحل، ويدعي بعض قيادات المتمردين بأن مبالغ طائلة صرفت دون جدوى لأنها كانت تعود لتستقر في جيوب بعض المسئولين في العاصمة على حساب المناطق التي يعتبرونها منسية في الخطط التنموية التي تنفذها الحكومة. أما «حركة تحرير أزواد».
 فقد اعتبرت استعدادات الحكومة بأنها بمثابة إعلان للحرب؛ وتشير بهذا إلى عمليات إعادة انتشار الجيش الحكومي في المناطق التي كان يتمركز فيها المقاتلون السابقون للحركة في الفترة التي سبقت هجماتها؛ وبالتحديد في «تنزاوتين»(Tinzaouaten) وهي الخطوة التي نتج عنها تشتيت مقاتلي الحركة الذين كان قد تم تمركزهم في مناطق تقع قرب الحدود ألجزائرية وقد رأت فيها القيادة «الطوارقية» نوعاً من الاستفزاز غير المبرر من قبل الحكومة ألمالية وتنصلاً من الاتفاقية الأخيرة التي كان قد تم التوقيع عليها.
وهناك من يضيف عودة المرتزقة من «ألطوارق الذين حاربوا إلى جانب قوات الكتائب التي كانت تتبع الزعيم الليبي السابق «معمر ألقذافي وهم مسلحون بأسلحة ثقيلة، دون أن تبادر الحكومة باتخاذ الإجراءات التي كان الوضع يحتمها على غرار ما حاول فعله كل من بوركينا فاسو والنيجر حين قامتا باتخاذ إجراءات صارمة لاستقبال واستيعاب مجموعات المحاربين العائدين من ليبيا.
انفلات أمني كما يبدو أنه من الصعب فصل هذا التجدد في أعمال العنف بالمناطق الشمالية الشرقية من مالي عن جملة من المؤثرات ألجوهرية على رأسها الوضع الأمني العام المتدهور بالمنطقة منذ تفجر الأوضاع في ليبيا، ثم تفاقم بسقوط نظام «القذافي» وعودة العناصر التي قاتلت إلى جانب قواته التي كانت تتشكل من ألمرتزقة وكان «الطوارق» يمثلون نسبة كبيرة منها، عاد هؤلاء إلى بلدانهم وبالأخص النيجر ومالي وتشاد وهم يحملون كمية كبيرة من العتاد العسكري الثقيل دون أن يكون في إمكانية دولهم تجريدهم من تلك ألأسلحة رغم ما كانوا يعرفونه من التهديد الخطير الذي كانت تشكله تلك الأسلحة التي كان لا بد أن تتجه يوماً إلى أهداف جديدة، وعلى ضوء وجود حركات الجهاد المسلحة بالمنطقة.
توجس قبائل الشمال من قبائل الجنوب:
إلى جانب الصراع الذي يدور بين الحكومة المالية وبعض فصائل حركات التمرد المكونة من «الطوارق» في ألشمال ثمة قدر من التوجس لدى القبائل الأخرى التي تقطن المناطق الشمالية مثل «الفلانيين» و«السنغاي»، وغيرهما ممن يرون في المعركة التي يخوضها «الطوارق» مجرد نزعة انفصالية طائفيه وهي التهمة التي ينفيها «ألطوارق بدفوعات، منها أن طرحهم يقوم على أساس محاولة تحرير المناطق الشمالية من هيمنة ما يسمونه بالاحتلال الأجنبي لصالح جميع القبائل التي تسكنها. دفع هذا التوجس تلك القبائل إلى اتخاذ مواقف أكثر حده تجاه الحركة ألانفصالية مما أدى إلى قيامها بتشكيل مليشيات دفاعية، وهو ما يمكن أن يعقِّد الموقف مع وجود خوف من نشوب نزاع مسلح بين هذه المجموعات المسلحة وبين الفصائل التابعة لحركة ألتمرد أو أن تلجأ الحكومة إلى محاولة توظيفها عند الاضطرار.
خيارات جديدة من انعكاسات توتر الوضع في كل من مالي ونيجيريا إلى جانب تنامي تأثير «القاعدة في المغرب ألإسلامي وعلاقاتها بالعناصر الجهادية من ألطوارق والتي تبلورت حيث أعلن «أياد آق غالي»، أحد زعماء ألطوارق إقامة إمارة إسلامية سلفية في المناطق الشمالية الشرقية لمآلي أن تم توجيه دعوة لعقد مؤتمر دولي في نواكشوط لبناء إستراتيجية شاملة ومشتركة تمكن من محاربة ظاهرة الإرهاب في منطقة ما وراء الصحراء. وفي
هذا الاجتماع برز التوجه إلى تجربة خيارات جديدة، فضلاً عن الخيار الأمني الذي ظل قائماً، مثل إيجاد أطر دائمة وطرح برامج ذات طبيعة تنموية، وهو ما يتماشى مع الخيار الذي طرحه رئيس نيجيريا «جوناثان جود لوك» الذي ذهب إلى وجوب الاستثمار في الزراعة لمواجهة الفقر الذي يولد الإرهاب من رحمه، وشاركت في الاجتماع كل من مالي والنيجر والجزائر ونيجيريا لأول مرة، بالإضافة إلى ممثلين للدول الغربية التي ترعى المشروع باعتبارها معنية بهذه التطورات لوجود 5 رهائن غربية لدى «القاعدة».
ويأتي هذا الاجتماع الذي استمر يومين في العاصمة ألموريتانية ليؤكد خطورة الوضع، وعجز أي دولة من الدول المعنية بهذا الملف الأمني المتفجر عن مواجهة الموقف ومعالجته بصورة ناجحة، وخاصة بعد أن ثبت وجود علاقة قوية بين أهم الحركات الإسلامية التي تتبع الخيار العسكري لمواجهة الأنظمة السياسية القائمة في المنطقة والتي تتمثل في ثلاثية: «بوكو حرام»، و«الشباب»، و«القاعدة». وفي ختام ألاجتماع تم تشكيل لجنتين؛ إحداهما للمتابعة وأخرى للقضايا ألتنموية انطلاقاً من الطرح الذي يحاول أن يفسر هذه الأوضاع المتفجرة بالوضع الاقتصادي والاجتماعي القائم في الدول المهددة بظاهرة الجماعات التي تنتهج ألعنف رغم أنه لم يثبت حتى الآن هذا الطرح لتفسير كثير من ظواهر العنف في العالم الإسلامي خلال العقود القليلة المنصرمة، وبالأخص في تلك الدول التي شهدت تنامي وجود الحركات الإسلامية مثل مصر والجزائر بل انهار أمام التمحيص
. آفاق المستقبل وعلى صعيد آفاق ومآلات هذا الصراع، فمن المرجح أن يتفاقم الموقف في الفترة القادمة إذا نظرنا إلى الموضوع من زاوية الموقف المتشدد الذي اختارته «الحركة الوطنية لتحرير أزواد» (M.N.L.A) ، وهو ما يعكسه التصريح الذي أدلى به متحدث باسم الحركة الذي قال إن الهجمات ستستمر ما لم تقبل الحكومة المالية الدخول في مفاوضات مع الحركة تحت مظلة المجتمع ألدولي وهي محاولة واضحة لتدويل ألقضية وهو الخيار الذي ترفضه كل الدول التي تواجه حركات التمرد في المنطقة مثل مالي والسنغال.
وفي مقابل هذا التصلب من طرف ألحركة جنحت القيادة السياسية إلى التهدئة، وهو ما اتضح في الكلمة التي وجهها الرئيس المالي عبر التلفزيون الوطني بعد حوالي أسبوعين من الهجمات، ركز فيها على ضرورة اللحمة واللجوء إلى الحوار للتوصل إلى أرضية للتفاهم، والتحذير من استهداف بعض الشرائح القومية، يأتي هذا النداء إثر الاعتداءات التي تعرض لها بعض «التماشيت» والموريتانيين والعرب في مدينة «بامكو» العاصمة ألمالية مما أدى إلى فرار المئات واللجوء إلى الدول المجاورة مثل النيجر وموريتانيا وبوركينا فاسو. وهو ما نستشفه كذلك من النبرة المسالمة التي تكلم بها الوفد المالي في اجتماع نواكشوط وذلك عندما رفض الوفد تصنيف «حركة تحرير أزواد» في قائمة الحركات التي توصف بأنها إرهابية وتضم كلاً من «القاعدة في المغرب الإسلامي»، و«جماعة بوكو حرام» في نيجيريا وحركة «الشباب ألمجاهدين في الصومال.
دولة مالى بين الديمقراطية وخيارات الانفصال والتدويل:
خلال اسبوع فقط تحولت دولة مالى الواقعة في الحزام الصحراوى من دولة ذات سيادة  الى كيانات متفرقة حيث السلطة المركزية الجديدة غير قادرة علي بسط سلطتها علبها نظرا لغياب الدولة المركزية. وتلك الكيانات تقع تحت بين مليشيات متنافسة معظمها في شمال مالي اما الجنوب فهو يقع تحت سيطرة قادة الانقلاب العسكرى الاخير. وليس من الممكن ان تعود دولة مالي الى وضعها السابق لتقطع اوصال مناطقها، مع زيادة  الهواجس حولها او تحولها الى النموذج الصومالى في القرن الافريقى، وتصبح دولة خارج نطاق القانون الامر الذى يجعل دول الجوار المالي ان تعيد حساباتها  ومدى تأثيرات الوضع المالى المتأزم على امنها الوطنى والاستقرار.
وتفيد تقارير من داخل مالى ومن اوساط المنظمات الاسلامية  خصوصا من المجلس الاعلى الاسلامى ان اوضاع مالى من الصعوبة بمكان ارجاعها الى سابق عهدها، خصوصا وان ثلثى اراضى الدولة هى خارج سيطرة الدولة المركزية والتى  تقع تحت سيطرة " قبائل الطوارق والتبو". وقبل انقلاب الثانى والعشرين من مارس الماضى  وتقدم الثوار نحو السيطرة ألكاملة مالى تعانى من ازمة التصحر والمجاعة والجفاف في جنوبها . وهناك ، حسب تقارير الامم ألمتحدة اكثر من 230 ألف مالى هجروا من بيوتهم بسبب القتال الدائر هنأك الامر الذى  يجعل مساعدة النازحين في محنة اكثر وعدم حصول الجوعى على الخدمات الاساسية والمعونات الانسانية.
والإحداث الاخيرة في مالى جعلتها دولة هشة فى نظر دول الجوار  ومصدر جديد للتهديد الامنى الاقليمى في نطاق دول ألصحراء وليس هناك سيناريو دولى لهذا البلد حول وضعه الدولى والقانونى نظرا لتعقد بيئته السياسية.
ونظرا لخطورة الاوضاع في مالى بادرت مجموعة الاكواس لدول جنوب غرب افريقيا والتى تتكون من 15 دولة افريقية الى حث مجموعة الانقلاب الى ارجاع السلطة الى المدنيين مقابل مساعدتهم من هذه الدول لإعادة السيطرة علي معقل
الشمال. إلا ان قادة الانقلاب لا يزالوا في اعتقالهم للسياسيين وكبار قادة ألجيش في ظل تكليف رئيس مؤقت للبلاد. والكابتن امادو سانوقو تتعاظم مواقفه وزيادة مناصريه وهم يحملون صوره على بزاتهم العسكرية يمثل الرجل الاقوى لقيادة مالى فى الفترات ألقادمة ويردد قولتهُ المتكررة "ان ابعاد الذين  قاموا بالتغيير  وقول الغير "انهم لا ينبغى ان يكونوا فى موقع ألقوة ، ولكن لا يمكن دفعهم نهائيا للخروج من مساهمتهم فى قيادة الدولة.
وقائد الحملة المالية سوف يقود البلاد حتى يوم 23 من شهر مايو القادم موعد الانتخابات ألعامة ولكنه سوف يكون ملزما باتفاقيات مجموعة الاكواس، وسوف يقود المرحلة الانتقالية حتى  تتم عملية الانتخابات.
وترجع اسباب القلاقل فى مالي الى  المنتصف من شهر مارس الماضى عندما بدأ العصيان فى الشمال بقيادة قبائل الطوارق والتى شهدت  مقتل العديد من ألمتظاهرين الامر الذى دفع بالجيش للتدخل فى ظل عجز الرئيس المخلوع مادو تومانى تورى، وخلال ساعات من اندلاع المظاهرات كان قادة الانقلاب في سدة ألحكم نظرا لوجود فراغ سياسى فى الدولة .
وخلال احداث الانقلاب العسكرى قام الجيش بقصف القصر الرئاسى فى باماكو وذهاب امانى تورى للاختباء فى ظل ادانة اقليمية ومقاطعة تجارية واقتصادية من دول الجوار ألمالي مع تلويحها بإعادة الرئيس المخلوع باستعمال القوة. ومن طرائف السيناريو المالى للتغيير هو انقسام الشارع المالى الى معسكرين مؤيدين للانقلاب وغير سعداء بأداء تورى امانى للحكم ومعسكر قاد الاستيلاء على المؤسسات الاعلامية ومظاهرات متناقضة ما بين مؤيد ومناصر للانقلاب.
ولقد كانت اهم خصائص امانى تورى لحكمه اعتماده على الحوارات التقليدية مع القبائل وقيادتها وقدرته على صنع تحالفات مختلفة مكنته من الاستمرار لفترة اطول في ادارة ألبلاد ومقدرته على احتواء مختلف التوجهات السياسية المالية. ولكن كانت هناك مساوى لحكمه وهو عدم وجود معارضه قوية ، وتنامى مظاهر الفساد من خلال صعود طبقات على حساب الملايين الذين يعانون من الجفاف والفقر وتفشى ظواهر الفساد وصناعة تهريب المواد المخدرة.
وتتركز مهام الساسة الجدد فى مالى بقيادة العضو البرلمانى داياكوندا تراورى الاقدم فى العمل البرلمانى كمتحدث والذى عُين كرئيس مسير للدولة ورئيس وزرائه عالم الفضاء المالى فى شركة ناسا الاميريكية والذى يتمتع بالحياد السياسي العمل قيادة المرحلة الانتقالية للبلاد.
ولكن المشهد المالى لا يزال ينتج العديد من الصور ومنها عدم امكانية توافر اجيال نخبوية جديدة تقود ألبلاد فى حين نلاحظ "مانلا"  الفصيل الانفصالى اعلانه بان الاقاليم الشمالية من مالى لمناطق كيدال وقوا وتمبكتو دولة مستثقلة وليست هناك مؤشرات تشجع على امكانية التخلى عن المطلب الانفصالى للشمال.
والحراك الاخر تتضح صورته فى ان هناك حوالى 15 مليون مالى  يعيشون فى الشمال فى ظل مواجهات مع جماعة  " انصار الدين" وهى جماعة من قبائل الطوارق ضد الانفصال ولكن منهجها يعتمد على فرض القوانين الاسلامية واتخاذ الشريعة مصدرا للحكم  في انحاء مالى.
هذا ومن المعروف ان مدينة اكدال كانت الاولى في السقوط خلال الانقلاب معقل " جماعة انصار ألدين ، وتحولها بسرعة الى  قلعة منتظمة الاعمال والخدمات، وهناك تسريبات حول امكانية  دعم جماعة " باكو حرام" الجماعة النيجرية الإسلامية لمدينة اكدال، وعناصرها ألمسلحة وهناك حديث حول تواجد جماعة اخرى منشقة عنها تعرف با" الموجوا"، والمنظمة الانسانية الوحيدة التى تعمل على مساعدة النازحين تعرف باسم" البكاء من ألقلب مركز عملياتها في باماكو العاصمة.
وليس لسلطة باماكو إلا الحوار مع الشمال وتفهم مطالبة  وهذه الدعوات للحوار مزدرية من الجنوبيين  واحباطات الشمال المنقسم على نفسه. ولقد لاحظ المراقبين على الحدود ألنيجر مالى قوافل عسكرية تحت قيادة الجنرال الحاج اغا جمعة  القائد التارقى  معه انصاره بسياراتهم ومعداتهم.
إقليميا جماعة الاكواس  تنظر فى ارسال حوالى 400 جندى الى مالى  ولكن المناقشات بين الاعضاء لم تفضى الى اتخاذ قرار نهائي، في حين دولة النيجر اكثر جماعة غرب جنوب افريقيا(الاكواس) رغبة في  الحصول على قرار دولى يجيز دخول قوات الامم المتحدة للسلام وإعادة بقية المناطق المسيطر عليها من الثوار، فى ظل رفض جزائرى لدخول قوات اجنبية الى دول جوارها.
ولهذا تحول السيناريو المالي للتغيير الى التدويل  وبين الرغبات الداخلية للديمقراطية ودور الاكواس الضعيف بالرغم من مشروعية تدخلها وفقا لاتفاقية انشاء الجماعة ومنها حق التدخل في اى دولة من التجمع في حالة تهديدات الامن الاقليمي .
الخلاصه:
ومهما يكن الاتجاه الذي ستتخذه الأحداث في المناطق الشمالية الشرقية لجمهورية مالي وحدودها مع كل من الجزائر والنيجر وموريتانيا،  والتى يجب  عليها أن تنظر في وضع إستراتيجية متكاملة ومشتركة للتعامل بجدية مع الأوضاع التي قد تزداد سخونة في هذه المنطقة التي قد يطلق عليها في فترة قادمة "بالحزام ألإسلامي" والممتدة من حدود الصحراء الأفريقية إلى الضفاف الشرقية لحوض تشاد،  وهذا الوضع سببه الخطط  الفرنسية  خلال الاحتلال الفرنسي عند الرحيل لوضع الحدود بين ألدول بحيث تمزق ألقوميات وهي الحالة التي تضررت منها كبرى القبائل في أفريقيا مثل «الفلانيين» و«الماندينغ» خصوصا وبهذا يشبه وضع ألطوارق هنا حالة (الأكراد) في ألعراق.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق